بيان- "اعترفوا بنا" شعار صدحت به حناجر العاملات الفلاحيات في تحركاتهن الأخيرة لعل أبرزها تحرك 03 أكتوبر 2021 بجبنيانة والتحركات الوطنية بالعاصمة في 03 أكتوبر و09 ديسمبر 2022. اختيارهن للشعار ليس بالأمر الاعتباطي وإنما كان ينم عن وعي كبير لدى عاملات الفلاحة بضرورة نزع الاعتراف بهن كيَدٍ عاملة وكتلة شغيلة وازنة في قطاع لا يقل أهمية عن بقية القطاعات. تحركات العاملات كانت وراءها رغبة في القطع مع السائد ودحض الفكرة القائلة بأنهن فئة غير منظمة وغير قابلة للحصر ولا تعمل بصفة قارة. هي رغبة أيضا في القطع مع الصورة النمطية للعاملة الفلاحية الضحية المثيرة للشفقة والمحتاجة لبرامج الادماج التي تخصصها الدولة في كل مناسبة لفائدة العائلات المعوزة.
ولأنهن واعيات أن تعاطي الدولة مع قضيتهن فيه نكران لوجودهن المهني وللدور الذي يقمن به على مر السنة وتنكر لقيمة ما تمنحه سواعدهن للاقتصاد الوطني وللآمن الغذائي. وأن برامج الدولة الى اليوم لم تمكنهن من الأجر اللائق ولا من النقل لائق ولا من العلاج اللائق سيما وأنهن الأكثر عرضة لحوادث السير وللإصابة بالأمراض. طالبن بالحصول على وثيقة تثبت اعتراف مشغليهن والهياكل المشرفة عليهن بوجودهن وتؤسس لواقع واضح الأطر والمعالم.
ان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي إطار حق النفاذ الى المعلومة، واستناد الى الأمر الحكومي عدد 379 لسنة 2019 المتعلق بتنقيح وإتمام الأمر عدد 916 لسنة 2002 المتعلق بأساليب تطبيق القانون عدد 32 لسنة 2002 الذي نص على في فصله الثامن على أنه "يتم انخراط النساء الجامعات للمحار والعملة والموسميين والمتنقلين المنتمين الى الوسط الريفي والعاملين في القطاع الفلاحي بمن في ذلك المرأة المستخدمة في هذا القطاع بموجب مطلب يتم تقديمه الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مرفوقا بالوثائق المستوجبة وخاصة شهادة صادرة عن الهياكل التابعة للوزارة المكلفة بالفلاحة تثبت ممارسة النشاط الفلاحي. فقد تمسك من جهته بهذا المعطى وتوجه الى وزارة الفلاحة بمطلب نفاذ الى المعلومة في بداية شهر أكتوبر حتى يتحصل على عدد النساء العاملات في الفلاحة اللاتي لديهن شهادة تثبت نشاطهن ولكن الوزارة لم تجب على المطلب. في الاثناء تواصل التنسيق مع العاملات في مختلف الجهات وكانت المبادرة من عاملات الفلاحة بمعتمدية جبنيانة اللاتي تمسكن بمطلبهن بمعية فرع الجازية لاتحاد المرأة ممثلا في شخص رئيسته منيرة بن صالح التي قامت بالتنسيق مع مندوبية الفلاحة ومرافقة رئيسة دائرة المرأة الريفية في زيارة المعاينة التي قامت بها صباح يوم الاثنين 12 ديسمبر 2022 لتسجيل النساء وإدراجهن في قائمة العاملات الفلاحيات وتمكينهن من شهادة عمل في أقرب الآجال.
ان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وان يثمن هذه الخطوة ويعتبرها بداية الاعتراف بالعاملات الفلاحيات فانه:
- يحث وزارة الفلاحة والمندوبيات الجهوية في كل الولايات على النسج على منوال مندوبية الفلاحة بصفاقس والنزول الى الميدان للمعاينة وتسجيل العاملات الفلاحيات وتمكينهن من "شهادة عاملة" تثبت ممارسة العمل الفلاحي وتدرج صاحبتها ضمن قاعدة بيانات الوزارة وتسهل عملية الرصد والمتابعة.
- ينبه الى أن شهادة عاملة في القطاع الفلاحي، وان كانت قد وردت في إطار قانون الضمان الاجتماعي كأحد شروط انخراط العاملات في المنظومة فان أهميتها تتجاوز مسألة الانخراط لتصبح مطلب اعتراف ودليل وجود وحفظ للكرامة وجب منحها لكل العاملات بقطع النظر عن رغبتهن في الضمان الاجتماعي من عدمها. وحتى لا تجد العاملة منهن نفسها مسجلة في الضمان الاجتماعي ومطالبة بدفع معاليم الانخراط كما حدث مع احدى المنظومات السابقة التي جعلت من الحل مشكلا.
- يطالب رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة وكل الوزارات المتدخلة في ملف العاملات الفلاحيات بالانكباب على هذا الملف وعقد مجلس وزاري وإيجاد خطة عاجلة بخصوص مسألة النقل. سيما وقد تكررت الحوادث التي بلغت الى حدود يوم الأمس 56 حادثا لتخلّف 719 جريحة و51 حالة وفاة منذ سنة 2015 . وتبيّن بالكاشف فشل وعجز المنظومة القانونية الحالية على غرار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الفلاحي. وضبابية الرؤية بخصوص كراس الشروط المنظمّة لعملية النقل التي لم تر النور الى اليوم وبات مشكوكا في وجودها. وعلى إرادة المتدخلين فيها على تطبيق القانون وحماية النساء من الموت الذي بات يلاحقهن بالشاحنات كما بالعربات وحتى سيرا على الأقدام.
اننا من منطلق تجربة ميدانية نؤكد أن العاملات اللاتي تمسكن منذ فترة بالمطالبة بشهادة تثبت ممارستهن للعمل الفلاحي يعلمن جيّدا أن حقوقهن لا تسترد الا من خلال الاعتراف بهن وإعطائهن الصفة والمكانة التي تحفظ لهن الحد الأدنى من الكرامة وتتعاطى معهن كيَدٍ عاملة لها ما لغيرها من الحقوق الشغلية التي تنص عليها القوانين الوطنية والدولية. هن واعيات أيضا أن تهميشهن ليس إلا نتيجة لتهميش القطاع المشغل لهن وأن التنظّم والهيكلة والإصلاح يبدأ من اصلاح القطاع وايلاءه الأهمية التي يستحقها وملاءمة التشريعات الجاري بها العمل مع واقع القطاع وشغاليه.