استهلت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور حنان البلخي زيارتها الأولى إلى الصومال، بصفتها المديرة الإقليمية، في وقت حاسم للبلاد الذي يقف عند مفترق طرق صعب. من جانب، يواجه الصومال تحديات هائلة، إذ عانى لعقود من الصراع، والاضطراب السياسي، والأزمات البيئية، وفاشيات الأمراض، وعدم الاستقرار الإقليمي. ومن الجانب الآخر، يحمل البلد في طياته بوادر التغيير، حيث يبدي قادته التزامًا بالتحول، ويعبر المواطنون، خاصة أولئك الذين ولدوا خلال فترة الحرب الأهلية، عن رغبة حقيقية في المساهمة في مستقبل واعد لبلدهم.
في زيارتها التي استمرت ثلاثة أيام إلى مقديشو، التقت الدكتور حنان بعدد من المسؤولين الحكوميين والشركاء في المجال الإنساني، وكان تركيزها على تعزيز الدعم لمعالجة القضايا الصحية الأكثر إلحاحًا. وأشارت إلى أن البنية التحتية الصحية في الصومال مدمّرة في العديد من المناطق، ما يحرم نحو 40% من الصوماليين من الخدمات الصحية الأساسية. يعاني الصومال من معدلات عالية في وفيات الأطفال دون الخامسة، ووفيات النساء أثناء الولادة لأسباب يمكن الوقاية منها. وتعزو ذلك إلى ضعف البنية التحتية الصحية ونقص الطواقم الطبية الماهرة، خصوصًا في المناطق النائية.
التحديات المناخية والصحية
يتعرض الصومال لتحديات بيئية شديدة كالجفاف والفيضانات التي تؤثر بشكل كبير على السكان. وخلال الجفاف الذي ضرب البلاد بين عامي 2022 و2023، ورغم الجهود الاستباقية لمنظمة الصحة العالمية والشركاء، فقد قُتل عشرات الآلاف من الأطفال، ولا يزال الملايين عرضة للجوع والمرض. وأعربت الدكتور حنان عن قلقها العميق إزاء تفشي الأمراض المعدية بسبب نقص اللقاحات، حيث لم يتلقَ أكثر من 1.5 مليون طفل الصوماليين أي جرعة من اللقاح ضد أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة، ما يزيد من خطر تفشي هذه الأمراض.
وفي مستشفى دي مارتينو في مقديشو، شاركت الدكتور حنان بتلقيح طفل ضد شلل الأطفال، ما يرمز إلى التزام منظمة الصحة العالمية، مع وزارة الصحة والشركاء، بمكافحة فاشيات شلل الأطفال.
التزام سياسي وشراكات لإصلاح القطاع الصحي
اجتمعت الدكتور حنان مع رئيس الوزراء الصومالي، السيد حمزة عبدي بري، الذي أبدى التزامه بالقضاء على فاشية شلل الأطفال من خلال إنشاء فريق عمل وطني للتمنيع واستئصال شلل الأطفال. كما أبدت تفاؤلها بجهود برنامج شلل الأطفال الذي يسعى للوصول إلى الأطفال غير الملقحين وتحسين جودة حملات التطعيم.
وفي إطار خطة التحول الوطنية للصومال 2025-2029، تعمل الحكومة الصومالية على إصلاح قطاع الصحة، ويجري الخبراء حالياً وضع استراتيجيات متكاملة للتطوير الصحي. وخلال زيارتها، أكدت الدكتور حنان على ضرورة تعزيز الحوكمة واللوائح الصحية في إطار النظام الفيدرالي، وأهمية دعم العاملين الصحيين وتطوير معايير لاعتماد مرافق الرعاية الصحية.
ودعت الدكتور حنان إلى اتباع نهج متكامل يراعي العوامل المختلفة التي تؤثر على الصحة العامة، مثل الغذاء والزراعة والمياه والصرف الصحي، مؤكدة أن بناء نظام صحي مستدام يتطلب تضافر الجهود. وأشارت إلى أهمية التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة لتحسين التخطيط الوطني للصومال والتعاون لمواجهة تحديات الصحة العامة.
ومن خلال ملاحظاتها على أرض الواقع، أعربت الدكتور حنان عن تقديرها للعاملين في المجال الإنساني الذين يعملون في ظروف صعبة وغير مستقرة. وأكدت التزام منظمة الصحة العالمية بدعم الصومال، من خلال توفير خدمات صحية أساسية، وبناء نظام صحي مرن ومستدام يلبي احتياجات الشعب الصومالي ويضمن صحة أجياله القادمة.