تونس تسجل حضورًا مميزًا في مؤتمر الأطراف COP29 في باكو


اختتمت تونس مشاركتها في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP29) التي انعقدت في باكو، أذربيجان، من 11 إلى 22 نوفمبر 2024. وقد مثل هذا الحدث العالمي فرصة لتونس لتأكيد التزامها بقضايا المناخ وتعزيز حضورها على الساحة الدولية من خلال تقديم رؤى مبتكرة والتفاعل مع التحديات الملحة. وتميزت مشاركة تونس، التي نظمتها وزارة البيئة بالتعاون مع عدة جهات وطنية، بوفد متنوع ضم ممثلين عن الوزارات المعنية، المجتمع المدني، القطاع الخاص، والشباب الناشط في مجال البيئة. هذه التشكيلة المتنوعة مكنت من تقديم رؤية متكاملة للتحديات المناخية التي تواجهها تونس، خاصة في سياق التغيرات البيئية والاقتصادية العالمية.

ركزت أعمال مؤتمر COP29، الذي حمل عنوان "التمويل المناخي"، على مناقشة آليات تمويل المشاريع المتعلقة بالتأقلم مع التغير المناخي وتطوير سياسات جديدة لزيادة الدعم المالي للدول النامية. في هذا السياق، دعت تونس، عبر وزير البيئة السيد حبيب عبيد، إلى تعزيز موارد الصندوق الأخضر للمناخ وتسهيل نقل التكنولوجيا إلى الدول السائرة في طريق النمو. وأكد الوزير في كلمته خلال المؤتمر على أهمية التضامن الدولي والتمويل المناخي كعنصرين أساسيين لمساعدة الدول النامية على تحقيق أهدافها المناخية.

جهود تونسية بارزة خلال المؤتمر

أبرزت تونس ريادتها من خلال تنظيم ورشة رسمية يوم 16 نوفمبر تناولت التحديات المتعلقة بتمويل التأقلم مع التغيرات المناخية. كما قدمت حلولًا مبتكرة لتعبئة الموارد المالية اللازمة لدعم المشاريع المحلية. هذا إلى جانب تنظيم 11 ورشة عمل بفضاء تونس، تضمنت مواضيع تتعلق بالتأقلم مع التغير المناخي، تعزيز صمود قطاع الصحة، إدارة المياه، والزراعة المستدامة.

وفي إطار الأنشطة التي تم تنظيمها على هامش مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29)، تم عقد حدثٍ موازٍ بعنوان "تعزيز القدرة على الصمود والتكيّف لقطاع الصحة مع تغيّرات المناخ في تونس: الإنجازات والخطوات المستقبليّة". وترأس الورشة وزير البيئة، السيّد حبيب عبيد، معيّة وزير الصحّة، السيّد مصطفى الفرجاني، الذي شارك عن بعد، للتّركيز على الجوانب الرئيسيّة المتعلّقة بالصحة في سياق تغيّرات المناخ. وقد مثّلت الورشة منصّة لعرض جهود وإنجازات تونس في مجال التكيّف مع تأثيرات تغيّرات المناخ في قطاع الصحة، وعرض الخطوات الاستراتيجية المقبلة لتعزيز صمود قطاع الصحة.

وأثناء مداخلته، أعلن السيّد وزير البيئة عن المبادرات التي تم دمجها في المساهمات المحدّدة وطنيّاً (NDC) واستراتيجية التنمية الوطنية المرنة في مواجهة تغيّرات المناخ (SNRCC)، مشدّدا على أهميّة التعاون بين مختلف القطاعات. من جانبه، أكّد السيّد وزير الصحة على الجهود الحثيثة التي تبذلها الوزارة لتطوير استجابات ملائمة لتغيّرات المناخ، والمتعلقة بإنشاء فريق عمل مخصّص للمساهمات المحدّدة وطنياً (NDC-Santé) وتأسيس لجنة قطاعيّة لحوكمة العمل المناخي، بناءً على القرار الوزاري الصادر في 16 جويلية 2023، فضلا عن إعداد خطة وطنيّة للتكيّف في قطاع الصحة (PNAS) بالتعاون مع منظّمة الصحّة العالميّة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ليتم دمجها في الخطة الوطنيّة للتكيف (PNA).

كما نظم الجانب التونسي حدثًا موازيا استراتيجيًا لعرض جهود تونس في مجال إدارة المياه المستدامة في ظل التحديات المناخية العالمية. وهدف هذا الحدث إلى تبادل التجارب والخبرات، وتعزيز الحوار بين الدول الشريكة والمنظمات الدولية لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة لضمان إدارة مائية مرنة تُسهم في تحقيق الأمن المائي في تونس ومواجهة الآثار السلبية لتغيّرات المناخ. كما مثّل هذا الحدث فرصة هامة لتسليط الضوء على ضرورة التعاون الدولي لتحقيق استدامة الموارد المائية وضمان تنفيذ استراتيجيات فعّالة، مع التأكيد على أهمية الاستثمار في البحث والتكنولوجيا لضمان توفير المياه للأجيال القادمة.

ومن بين المبادرات البارزة أيضًا، ورشة تناولت مساهمة الأطفال والشباب في العمل المناخي، التي سلطت الضوء على التجارب التونسية في إشراك الفئات الصاعدة في مواجهة تحديات المناخ. كما عكست تجربة مشروع TouMaLi دور الإدارة المستدامة للنفايات في قطاع السياحة بمكافحة التلوث البحري.

وعلاوة على الورش والجلسات الحوارية، عقد الوفد التونسي لقاءات ثنائية مع ممثلي دول شقيقة وصديقة لتعزيز التعاون البيئي. كما أجرى جلسات عمل مع منظمات مالية وفنية دولية بهدف استقطاب الدعم لتونس ومواكبة التطورات التكنولوجية العالمية في مواجهة التغير المناخي.



والتقى وزير البيئة السيد حبيب عبيد يوم 16 نوفمبر 2024، المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مكتب تونس، السيّد عبد الله الدردري، لبحث فرص التّعاون في المجال المناخي وذلك على هامش الدورة التّاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP29)، في مدينة باكو أذربيدجان.وتناول اللقاء عدة محاور ذات الأهمية المشتركة تتعلق بالتكيّف مع تغيّر المناخ وتعزيز المرونة لمواجهة آثاره، والآليات المتاحة لتنفيذ البرامج والمشاريع المناخية، كما تطرّق الجانبان إلى تعزيز التعاون بين تونس والبرنامج الأممي بهدف تنفيذ السياسات الوطنية المناخيّة على المستوى الجهوي والمحلي وخاصة منها الاستراتيجيّة الوطنيّة للتنمية منخفضة الكربون والمتأقلمة مع التغيّرات المناخيّة والمساهمات المحددة وطنيًا، وفرص إطلاق مشاريع جديدة لكل منطقة، حسب الأوليّة.

كما اجتمع وزير البيئة، السيد حبيب عبيد، بمديرة المركز العربي للسّياسات المناخيّة ورئيسة مجموعة العمل المعنيّة بالتغيّر المناخي واستدامة الموارد الطبيعية في الإسكوا التابعة للأمم المتحدة، السيدة كارول شوشاني شرفان، والسيدة راضية سدّاوي ممثلة عن المركز ذاته، من أجل مناقشة فرص التعاون لدعم تنفيذ السياسات المناخية في تونس، خاصة في مجالات التخفيف والتكيّف وتعزيز الصمود في مواجهة التغير المناخي من خلال إجراءات ملموسة. وبحث الطرفان سبل تعزيز وتسهيل النفاذ إلى التمويلات الدولية للمناخ، سيما من خلال صندوق المناخ الأخضر (GCF)، بهدف دعم ورشات العمل التقنية والدورات التدريبية لتعزيز القدرات المحلية، وإعداد المشاريع ذات الأولوية، كما تم التطرق إلى تعزيز التعاون مع مركز "ريكار" التابع للإسكوا لإعداد دراسات بشأن الهشاشة المناخية في المناطق التونسية الأكثر تضررًا والتي ستساهم في تعزيز الفهم لآثار التغير المناخي بهذه المناطق وتحديد استراتيجيات تكيف جهوية وإقليمية فعالة.

وبخصوص تعزيز التعاون لتنفيذ المساهمات المحددة وطنياً، التقى وزير البيئة السيد حبيب عبيد، بشراكة المساهمات المحدّدة وطنيّا (NDC Partnership) لمناقشة سبل تعزيز التّعاون لتنفيذ المساهمات المحددة وطنياً (NDC) لدعم جهود تونس في التكيّف والصّمود أمام تحديّات تغير المناخ وذلك بحضور المدير العام لشراكة الـNDC، السيد بابلو فييرا، ومديرة شؤون التزام الدول، السيدة ماريانا بانوتشو، ومسؤول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا الفرنكوفونية السيد محمد بوسعيد. وقد تناول اللقاء فرص التعاون الممكنة وتعزيز برامج الدعم الفني، خاصة في مجال التمويل المناخي وتنظيم المنتدى الثاني للاستثمار في المشاريع ذات الأولويّة لتنفيذ المساهمات المحدّدة وطنيّا المبرمج تنظيمه خلال شهر جويلية سنة 2025.
التزام متواصل نحو مستقبل مستدام

تؤكد هذه اللّقاءات انخراط الدولة التونسية في تعزيز الجهود الدولية والاقليمية للعمل المناخي وفقا لمقاربة ترتكز على العدالة والشمولية. ومع اختتام فعاليات مؤتمر الأطراف COP29، أظهرت تونس تصميمها على المضي قدمًا في تنفيذ أهدافها الوطنية الطموحة المتعلقة بالعمل المناخي. وبينما تبقى تحديات التمويل ونقل التكنولوجيا قائمة، فإن المشاركة الفعالة لتونس في هذا المؤتمر تعكس رغبتها في أن تكون جزءًا من الحلول العالمية لمواجهة التغير المناخي، مع الحفاظ على استدامة مواردها وتحقيق تنمية متوازنة تراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

وبصفتها دولة تواجه تحديات مناخية كبيرة، تمكنت تونس من تعزيز موقعها كلاعب فاعل في النقاشات الدولية حول المناخ، معبرة عن تطلعها لاستمرار الدعم الدولي لتحقيق أهدافها الوطنية الطموحة.